{وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7)}فيه ثلاث مسائل: قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ} الأثقال أثقال الناس من متاع وطعام وغيره، وهو ما يثقل الإنسان حمله.وقيل: المراد أبدانهم، يدل على ذلك قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها} والبلد مكة، في قول عكرمة.وقيل: هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر. وشق الأنفس: مشقتها وغاية جهدها. وقراءة العامة بكسر الشين. قال الجوهري: والشق المشقة، ومنه قوله تعالى: {لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}وهذا قد يفتح، حكاه أبو عبيدة. قال المهدوي: وكسر الشين وفتحها في {شق} متقاربان، وهما بمعنى المشقة، وهو من الشق في العصا ونحوها، لأنه ينال منها كالمشقة من الإنسان.وقال الثعلبي: وقرأ أبو جعفر {إلا بشق الأنفس} وهما لغتان، مثل رق ورق وجص وجص ورطل ورطل. وينشد قول الشاعر بكسر الشين وفتحها:وذي إبل يسعى ويحسبها له *** أخى نصب من شقه ودءوبويجوز أن يكون بمعمى المصدر، من شققت عليه شقا. والشق أيضا بالكسر النصف، يقال: أخذت شق الشاة وشقة الشاة. وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى، أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها، أي لم تكونوا تبلغوه إلا بنصف قوى أنفسكم وذهاب النصف الآخر. والشق أيضا الناحية من الجبل. وفى حديث أم زرع: وجدني في أهل غنيمة بشق. قال أبو عبيد: هو اسم موضع. والشق أيضا: الشقيق، يقال: هو أخى وشق نفسي. وشق اسم كاهن من كهان العرب. والشق أيضا: الجانب، ومنه قول امرئ القيس:إذا ما بكى من خلفها انصرفت له *** بشق وتحتي شقها لم يحولفهو مشترك.الثانية: من الله سبحانه بالأنعام عموما، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام، فإن الغنم للسرح والذبح، والبقر للحرث، والإبل للحمل. وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إنى لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تتكلم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: وإني أو من به وأبو بكر وعمرو». فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرسل.في الثالثة: في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها. ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير. وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرفق بها والإراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها.وروى مسلم من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها»رواه مالك في الموطأ عن أبى عبيد عن خالد بن معدان.وروى معاوية بن قرة قال كان لابي الدرداء جمل يقال له دمون، فكان يقول: يا دمون، لا تخاصمني عند ربك. فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه، ولا تقدر أن تفصح بحوائجها، فمن ارتفق بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله تعالى.وروى مطر بن محمد قال: حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال. رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب جمالا وقال: تحمل على بعيرك ما لا يطيق؟.